Éric Loonis
يتجلى الصديق المتخيل (L’ami imaginaire) في عدة
أشكال مختلفة. نجده لدى الطفل، والشخص المعزول، لكن أيضا لدى من لا يعانون
بالضرورة من العزلة. إنه جزء من الحياة العائلية ولدى الأزواج. وهو حاضر في جميع
الأعمار، فيبدو أحيانا لدى الأطفال المصابين بالتوحد أو الذهان، من دون أن يشكل
علامة دالة عليهما، مادامت ملاحظته ممكنة أيضا لدى أطفال لا يعانون من اضطرابات
محددة. قد يتخذ شكلا تخيليا محضا، أو يتجسد في أشياء مادية مثل الدمى أو الصّويرات.
ومع تطور التقنيات الرقمية، بات الصديق المتخيل اليوم يجد تعبيرا حديثا من خلال الرموز
الرقمية (لافاتار) التي يولدها الحاسوب والذكاء الاصطناعي. لكن، وحتى قبل هذه
الثورة في الذكاء الاصطناعي، استثمر ملايين اللاعبين مشاعرهم في تلك الرموز من
خلال ألعاب الفيديو، مما يشهد على عالمية هذه الظاهرة.
يندرج الصديق المتخيل أيضا ضمن استعمال موضوع افتراضي،
بالمعنى التحليل نفساني لكلمة «موضوع»، أي كآخَر نتداول معه علاقة واستثمارا
وجدانيا. داخل هذه العلاقة نجد تجليات لدى الراشدين، خاصة من خلال دمى تقليدية أو
نسخ عنها أكثر تطورا (Gillet, 2023)، بدءا من نماذج قابلة للنفخ وصولا إلى روبوتات فاخرة ذات هيئة بشرية
صممت لتحاكي المظهر الإنساني وسلوكه. بعض الأشخاص ينمّون مع هذه الكيانات الاصطناعية
ليس فقط علاقات تفاعلية جسدية وجنسية، بل أيضا علاقات عاطفية عميقة. وقد فوجئنا
أيضا باكتشافنا في خضم البحث أن عددا كبيرا من البالغين يحتفظون بدمى الدببة
المحشوة التي رافقتهم طوال طفولتهم ويداومون على النوم معها (Eifert, 2017). في التبت،
البلد المرتبط بشكل خاص بالروحانيات، تم ابتكار التولبا tulpa، وهي كائنات متخيلة، أو أشكال
ذهنية. يسعى مبتكروها من البشر إلى تخيل التولبات بتفاصيل حية لدرجة أنها تبدو
قادرة على التكلم والتصرف من تلقاء ذاتها (David-
Néel, 1932). وقد تصل ممارسة الصديق
المتخيل إلى حد تبني الصخرة المدللة pet rock، في كوريا
الجنوبية، حيث تستخدم حجر مصقول، تستعمل لإثارة علاقة افتراضية مهدئة للأعصاب (Boulman, 2024)
الرغبة في امتلاك استنساخات بشرية مماثلة تماما، ومخلصة
ومتاحة دوما، رغبة تتجاوز العصور والثقافات. هذا التطلع يتجلى بأشكال مختلفة، من
الأساطير الدينية والفلسفية إلى الخيال العلمي (Bacigalupi, 2013 ; Asimov, Silverberg, 1993). يمكن
الإشارة، على سبيل المثال، إلى المسلسل التلفزي الاسكندنافي «البشر الحقيقيون»،
الذي يوضح هذا الانبهار من خلال الروبوتات البشرية الذين يدخلون معهم البشر في
علاقات عاطفية وجنسية، مما يثير قضايا أخلاقية وأسرية واجتماعية (الميراث، الزواج،
التبني...)
لا يضيف الذكاء الاصطناعي، في نهاية المطاف، سوى
درجة إضافية من الواقعية من خلال منح المستنسخات الافتراضية قدرات فكرية، وتعلمات
وتفاعلات أكثر تطورا. يدخل هذا التطور ضمن تقليد طويل من السرديات والأساطير، التي
يبقى مثالها الرمزي الأسطورة اليونانية لـبجماليون، الناحت الذي وقع في حب منحوتته،
غالاتيا، التي ينتهي بها المطاف إلى أن تنبض بالحياة (Revel, 2018).
مظهر آخر يمكن استكشافه، لكنه واعد، يكمن في استخدام
الذكاء الاصطناعي كدعم نفسي واجتماعي لرواد الفضاء في المهام الطويلة الأمد (CIMON-Robot). فقد يتطلب
سفر أربع سنوات ذهابا وإيابا نحو المريخ علاقة مستقرة ومُستثمرة مع صورة افتراضية
وذكاء اصطناعي. كما يكون من الملائم، في النهاية، التذكير بأهمية مفهوم الموضوع
الانتقالي الذي طوره وينيكوت Winnicott (2010)، الذي يوضح هذه الديناميكيات الوجدانية وترسيخها في
التنمية البشرية. بهذا يطرح السؤال التالي: هل يمكن ربط الموضوع الانتقالي
لوينيكوت بالذكاء الاصطناعي؟
مفهوم الموضوع الانتقالي، الذي طوّره وينيكوت، يشير إلى
موضوع (مثل دمية محشوة أو بطانية) يستعمله الطفل كوسيلة للانتقال من حالة الاندماج
مع الأم إلى تقبل واقع خارجي مستقل. لهذا الموضوع وظيفة في آن مطمئنة ووسيطة، يساعد
الطفل على تحمل غياب الأم وبناء عالمه الداخلي.
إذا عملنا على تقريب هذا المفهوم من الذكاء الاصطناعي،
فمن الممكن النظر إلى كثير من أوجه التشابه:
1 وظيفة الوساطة بين الإنساني والعالم الرقمي
إن الذكاء الاصطناعي، لا سيما حين يتجلى في شكل مساعد حواري أو تقنية
تفاعلية، يلعب في بعض الأحيان دورا وسيطا بين الأفراد والواقع الرقمي آخذ في
التوسع. يمكنه أن يكون داعما في استكشاف فضاءات معرفية، أو وجدانية أو اجتماعية
جديدة (Schiltz, 2021)
2 دور الارتباط والطمأنينة
بعض الاستعمالات تنمي شكلا من الارتباط بالذكاء الاصطناعي، خاصة حين يتخذ
شكل الرفقاء الافتراضيين أو الوسائل التفاعلية (مثل روبوتات الدردشة أو الروبوتات
الاجتماعية). فعلى غرار الموضوع الانتقالي، يمكنها منح شعور بالحضور والاستمرارية،
خصوصا في إطار سياقات العزلة والقلق (Faniry, 2025)
3 دعم الاستقلال الذاتي التدريجي
يمكن للذكاء الاصطناعي أن يساعد الفرد على تطوير مهارات جديدة، سواء
بالنسبة للتعلم أو تملك التكنولوجيا (Dejoux, 2020). إنه، كما هو الحال للموضوع الانتقالي، لا يعوض تماما العلاقة
الإنسانية، لكن يمكنه مصاحبة عملية النضج (Faniry,
2025).
4 ومع ذلك، هناك اختلافات ملحوظة
الموضوع الانتقالي موضوع مادي مستثمر بشكل رمزي من قبل الطفل، في حين أن
الذكاء الاصطناعي منظومة تفاعلية تتطور تبعا لمستخدمه.
الموضوع الانتقالي يتم التخلي عنه بشكل تدريجي مع نمو الطفل، في حين أن
الذكاء الاصطناعي يدخل ضمن استعمال مستدام في غالب الأحيان، بل مُدمج بشكل متزايد
في الحياة اليومية.
لهذا، إذا كان
بمقدور الذكاء الاصطناعي القيام أحيانا ببعض الوظائف المشابهة لما يقوم به الموضوع
الانتقالي، لا سيما كأداة وسيطة ومطمئنة، فإنه لا يمكن أن يكون مطابقا بشكل كلي
لهذا المفهوم، الذي يظل راسخا في النمو السيكو-وجداني للطفل.
إن «الانتقالية» تحيل مع ذلك بل وأيضا إلى ال«المرحلة الانتقالية»
بين الطفولة وسن الرشد. يمكننا التفكير في أن الذكاء الاصطناعي يحل محل الدمى
القطنية أو مشاركتها له. أو أكثر من ذلك في دمى حديثة مزودة بالذكاء الاصطناعي،
على غرار «الألعاب» أو المستنسخات البشرية للراشدين. أي وينيكوت بأسلوب القرن
العشرين! يمكننا إذن النظر إلى الذكاء الاصطناعي كما لو أنه دمى قطنية حديثة،
موسعين بذلك منطقيا من فكرة الموضوع الانتقالي. فبينما يهدأ الطفل بواسطة دمية
قطنية، يمكن للراشد (أو المراهق) اللجوء إلى أشكال من ذكاء اصطناعي للدردشة، أو لروبوتات
رفيقة، بل وأيضا الصور الرمزية (لأفاتار) الافتراضية لها شكل تحقق الراحة
والاستمرارية الوجدانية.
تندرج فكرة «الدمى» أو المستنسخات البشرية للبالغين أيضا
ضمن هذا المنطق. تظهر روبوتات مشابهة للإنسان أو مساعدين رقميين أكثر تطورا، قادرة
على محاكاة تفاعل عاطفي (Dolbeau- Bandin,
Wilhelm, 2023). إنها لا تكتفي بأن تكون
معوضا ماديا بسيطا كما هو الحال بالنسبة للموضوع الانتقالي لوينيكوت، بل تقدم وهم
التبادل العاطفي، بل وحتى التعلق.
بهذا المعنى، يمكن اعتبار الذكاء الاصطناعي امتدادا لمفهوم
وينيكوت، ليس كانتقال بين الطفولة والاستقلال النفسي، بل بين الإنساني وعالم «العزلة
فائقة الحداثة» (Souchon, 1988) حيث تتحول التفاعلات بشكل متزايد إلى رقمية واصطناعية. بل يمكننا
الحديث عن مواضيع انتقالية رقمية، مصاحبة للفرد في علاقته بالتقنية
والأشكال الجديدة للوجود.
يبقى أن نعرف إنْ كانت «دمى القرن الواحد والعشرين
القطنية» هذه تساعدنا على النمو والتكيف بشكل أفضل، أم أنها تثبتنا في تبعية ممتدة
في الزمن، مؤخرة بالفعل هذا الانتقال المنشود... يمكننا، في هذه الحالة، أن نتساءل
عن مدى الاستقلالية الحقيقية للراشدين أنفسهم. ذلك أن الأبحاث
المتأخرة تبين جيدا وجود الملايين من الأشخاص يعتمدون على أقرانهن (Riffaut et coll., 2023 ; Ifop, 2024 ; 2025 ; Broche et coll., 2023)، ناهيك عن الأفراد الذين يبدون مستقلين في الظاهر، لكنهم ينمون
في دواخلهم كائنات متخيلة يدردشون معهم. مما يقودنا إلى سؤال آخر: هل يمكن لهذا
الكائن الإنساني المعتمد كثيرا على أقرانه، أن يكون مستقلا بشكل حقيقي أم متخيل؟
يُبنى الكائن الإنساني في ظل الترابط المتبادل: إننا
حيوانات اجتماعية، تشكلنا تفاعلاتنا، سواء أكانت حقيقية أم متخيلة. فالاستقلالية
المطلقة مجرد وهم، ذلك لأن أفكارنا الأكثر حميمية تغذيها ثقافتنا، ولغتنا وتجاربنا
العلائقية.
إذا اعتبرنا الاستقلالية قدرةً على التحكم الذاتي، وعلى
اتخاذ القرارات دون الخضوع المباشر لسلطة الآخر، عندئذ نقول نعم، من الممكن قول إن
فردا قادر على أن يكون مستقلا بشكل نسبي. ومع ذلك، إن هذه الاستقلالية هي دوما
نسبية، ولا تكون مطلقة أبدا. فهي تستند على وجود توازن بين التبعية
الوظيفية (الاعتماد على الآخرين لكي نحافظ على بقائنا الجسدي، والوجداني
والمعرفي) والقدرة على التميز (التفكير المستقل، والقيام باختيارات وإدارة
مشاعرنا).
لكن من المهم الإشارة أنه حتى حين نعتقد أننا وحيدون
ومستقلون، نستمر في الدردشة داخليا مع شخصيات حقيقية أو متخيلة. قد تحدث وينيكوت
(2015) عن اللعب الداخلي، تلك القدرة على خلق فضاء ذهني يتم فيه التفاعل مع
مواضيع داخلية. البعض يتداول حوارات صامتة مع أقرباء مفقودين، وآخرون مع مرشدين
متخيلين أو شخصيات خيالية.
مع ظهور المواضيع الانتقالية الرقمية، أخذت هذه
الدينامية بعدا جديدا. يصبح الذكاء الاصطناعي في بعض الأحيان أنا آخر داخلي يمكن
التحدث إليه، محاورا يحاكي وجود آخر ويدعم وهم الاستقلالية. غير أن هذا يكشف فقط
واقعا أكثر عمقا: فحتى بدون ذكاء اصطناعي نكون على الدوام في حوار مع أجزاء من
الغير.
أليست الاستقلالية، في نهاية
المطاف، هي القدرة على إدارة تبعياتها بدلا من التحرر منها؟
لكن، ماذا عن الحيوانات؟ كدنا ننساهم. مشهد كلاسيكي بين سيدة مسنة ومرافقها ذي
الأربعة أرجل. لنستمع إليها تقول: «أوه! أيها الكلب الشقي! لماذا فعلت هذا؟ هل تخبرني؟
هيا، أخبرني!» قالت لكلبها الذعور، ملوحة بسبابتها بسلطوية. تجسد العلاقة بالحيوان
بشكل خاص تلك النزعة الإنسانية في إسقاط لغة، والإرادية بل وحتى الذاتوية على
كائنات لا تمتلكها ربما بالشكل الذي نعرفه. ميكانيزمات نفسية تحدد وتُداول
استثمارات وجدانية وشبه «انسانية» مع رفقائنا الحيوانية (Ifop, 2024)
هذه المرأة وهي تتحدث إلى كلبها، لا تترقب بالضرورة
جوابا شفهيا، لكنها تتمسك بحوار داخلي من خلاله. بذلك يصبح الكلب محاورا،
وداعما عاطفيا، ومرآة للمشاعر الإنسانية. إنه في نفس الوقت موضوع انتقالي حي
وامتداد للعالم الداخلي لسيدته. (Ifop, 2024)
أليس هذا، بطريقة ما، ما نقوم به كذلك مع النصوص،
والكتب، والأعمال الفنية، مع سيارة؟ هذا حال شخصية فيلم «وحيد في العالم»، التي
جسدها توم هانكس، الذي يتحدث مع كرته ليحافظ على إحساس بالإنسانية (Zemeckis, Broyles, 2000). نتحدث
إليهم ذهنيا، نتفاعل معهم وكأنهم يجيبوننا. لعلنا، في النهاية، مستقلون حقا فيما
نتبع، لكننا لسنا أبدا وحدنا في أفكارنا. وما الذكاء الاصطناعي إلا امتداد «ذكي»
لميولتنا الأكثر قدما والأكثر عمقا. إلى أين نمضي؟ (Ifop, 2024)
المصدر
https://www.researchgate.net/publication/389744010_De_l%27Ami_Imaginaire_a_l%27IA
المراجع
-Asimov, I. ; Silverberg, R. (1993). Tout sauf un homme. Éditions Pocket.
-Bacigalupi, P. (2012). La fille
automate. Éditions J’ai Lu.
-Boulman, C. (2024). En Corée du Sud, on achète des cailloux de compagnie
contre le stress au travail. Slate.
-Broche, A. ; Miquet-Marty, F. ; Socias, L. (2023). De la solitude choisie à la solitude subie Enquête sur une « sociose ». Fondation Jean Jaurès Éditions.
-Riffaut, H. ; Dessajan, S. ; Saurier, D. ; Berhuet, S. ; Hoibian, S. ;
Ponton, C. (2023). Étude Solitude (Re)liés par les lieux. Fondation de France, Cerlis, Audencia, Crédoc.
-David-Néel, A. (1932). Magic and
Mystery in Tibet. Claude Kendall, New York City.
-Dejoux, C. (2020). Ce sera l’IA
ou/et moi : Comprendre l’intelligence artificielle pour ne plus
en avoir peur. Éditions Vuibert.
-Dolbeau-Bandin, C. ; Wilhelm, C. (2023). Les robots humanoïdes peuvent-ils nous faire croire
qu’ils ressentent des émotions ? The Conversation.
-Eifert, M. (2017). National Teddy Bear Day Survey Finds More Than Half of
Adult Americans Still Have Their Teddy Bear From Childhood. Build-A-Bear Workshop.
-Faniry, R. (2025). Les
partenaires virtuels : une nouvelle ère des relations. Intelligenceartificielle. com.
-Gillet, E. (2023). Acheter une Barbie est bon pour votre santé mentale ? Slate.
-Ifop (2024). Les Français
et la solitude. Goodflair.
-Ifop (2025). Les Français
et la solitude – Vague 4. Astrée Association.
-Revel, S. (2018). Pygmalion. Éditions Les Arènes.
-Riffaut, H. ; Dessajan, S. ; Saurier, D. ; Berhuet, S. ; Hoibian, S. ;
Ponton, C. (2023). Solitude 2023 (Re)liés par les lieux. Une approche territoriale et spatiale des solitudes et du lien social. Fondation de France,
Cerlis, Audencia, Crédoc.
-Schiltz, L.-C. (2021). L’épopée des
assistants conversationnels. Webotit. Souchon,
A. (1988). Ultra moderne solitude. Virgin Records.
-Wikipédia, CIMON (Robot)
Crew Interactive MObile CompanioN.
-Winnicott, DW. (2010). Les objets
transitionnels. Payot.
-Winnicott, DW. (2015). La capacité d’être
seul. Payot.
-Zemeckis, R. ; Broyles Jr. W. (2000). Seul au monde. Dreamworks Pictures et Twentieth Century Fox.